12 - يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم .
- 13 - يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب .
- 14 - ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور .
- 15 - فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير .
يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين المتصدقين أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم بحسب أعمالهم كما قال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى { يسعى نورهم بين أيديهم } قال : على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة ومنهم نوره مثل الرجل القائم وأدناهم نورا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة ( رواه ابن أبي جرير ) وقال الضحاك : ليس أحدا إلا يعطى نورا يوم القيامة فإذا انتهوا إلى الصراط طفيء نور المنافقين فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طفيء نور المنافقين فقالوا : ربنا أتمم لنا نورنا وقال الحسن { يسعى نورهم بين أيديهم } : يعني على الصراط . وقد روى ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود وأول من يؤذن له برفع رأسه فأنظر من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم " فقال له رجل : يا نبي الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ؟ فقال : " أعرفهم محجلون من أثر الوضوء ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم " ( أخرجه ابن أبي حاتم ) . وقوله : { وبأيمانهم } قال الضحاك : أي وبأيمانهم كتبهم كما قال تعالى : { فمن أوتي كتابه بيمينه } وقوله : { بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار } أي يقال لهم : بشراكم اليوم جنات أي لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار { خالدين فيها } أي ماكثين فيها أبدا { ذلك هو الفوز العظيم } . وقوله : { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم } وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة والزلازل العظيمة والأمور الفظيعة وأنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله وعمل بما أمر الله به وترك ما عنه زجر .
روى ابن أبي حاتم عن سليم بن عامر قل : خرجن على جنازة في بب دمشق ومعنا ( أبو أمامة الباهلي ) فلما صلي على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة : أيها الناس إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا - يشير إلى القبر - بيت الوحدة وبيت الظلمة وبيت الدود وبيت الضيق إلا ما وسع الله ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة فإنكم في بعض تلك المواطن حتى يغشى الناس من أمر الله فتبيض وجوه وتسود وجوه ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فيغشى الناس ظلمة شديدة ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورا ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئا وهو المثل الذي ضربه الله تعالى في كتابه فقال : { أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور } فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير ويقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا : { انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } وهي خدعة الله التي خدع بها المنافقين حيث قال : { يخادعون الله وهو خادعهم } فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور له باب { باطنه فيه الرحمة وظاهره فيه العذاب } الآية يقول سليم بن عامر : فما يزال المنافق مغترا حتى يقسم النور ويميز الله بين المنافق والمؤمن ( أخرجه ابن أبي حاتم ) وقال ابن عباس : بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نورا فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه وكان النور دليلا من الله إلى الجنة فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم فأظلم الله على المنافقين فقالوا حينئذ : { انظرونا نقتبس من نوركم } فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون { ارجعوا وراءكم } من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور وروى الطبراني عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إن الله تعالى يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترا منه على عباده وأما عند الصراط فإن الله تعالى يعطي كل مؤمن نورا وكل منافق نورا فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات فقال المنافقون : انظرونا نقتبس من نوركم وقال المؤمنون : ربنا أتمم لنا نورنا فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا " .
وقوله تعالى : { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره فيه العذاب } قال الحسن وقتادة : هو حائط بين الجنة والنار وقال عبد الرحمن بن زيد : هو الذي قال الله تعالى : { وبينهما حجاب } وهكذا روي عن مجاهد وهو الصحيح { باطنه فيه الرحمة } أي الجنة وما فيها { وظاهره فيه العذاب } أي النار والمراد بذلك سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقين من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وشك وحيرة { ينادونهم ألم نكن معكم } أي ينادي المنافقين المؤمنين : أما كنا معكم في الدار الدنيا نشهد معكم الجمعات ؟ ونصلي معكم الجماعات ؟ ونقف معكم بعرفات ؟ ونحضر معكم الغزوات ؟ ونؤدي معكم سائر الواجبات ؟ قالوا : بلى أي فأجاب المؤمنون النافقين قائلين : بلى قد كنتم معنا { ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني } قال بعض السلف : أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات { وتربصتم } أي أخرتم التوبة من وقت إلى وقت وقال قتادة : { تربصتم } بالحق وأهله { وارتبتم } أي بالبعث بعد الموت { وغوتكم الأماني } أي قلتم : سيغفر لنا وقبل غرتكم الدنيا { حتى جاء أمر الله } أي ما زلتم في هذا حتى جاءكم الموت { وغركم بالله الغرور } أي الشيطان وقال قتادة : كانوا على خدعة من الشيطان والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين : إنكم كنتم معنا أي بأبدان لا نية لها ولا قلوب معها وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تراءون الناس ولا تذكرون الله إلا قليلا وهذا القول من المؤمنين لا ينافي قولهم الذي أخبر الله تعالى به عنهم حيث يقول : { كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ... في جنات يتساءلون ... عن المجرمين ... ما سلككم في سقر } ؟ فهذا إنما خرج منهم على وجه التقريع لهم والتوبيخ ثم قال تعالى : { فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا } أي لو جاء أحدكم اليوم بملء الأرض ذهبا ومثله معه ليفتدي به من عذاب الله ما قبل منه وقوله تعالى : { مأواكم النار } أي هي مصيركم وإليها منقلبكم وقوله تعالى : { هي مولاكم } أي هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم وبئس المصير