أنه خط خطا ثم قال : هذا سبيل الرشد ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطا ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم تلا هذه الآية " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه " وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب . وقيل : إنهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار وعن كعب الأحبار : والذي نفس كعب بيده إن هذه الآيات لأول شيء في التوراة . فإن قلت : علام عطف قوله : " ثم أتينا موسى الكتب " قلت : على " وصاكم به " . فإن قلت : كيف صح عطفه عليه بثم والإيتاء قبل التوصية بدهر طويل ؟ قلت : هذه التوصية قديمة لم تزل توصاها كل أمة على لسان نبيهم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب فكأنه قيل : ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديما وحديثا .
" ثم أتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون " .
" ثم " أعظم من ذلك أبا " أتينا موسى الكتاب " وأنزلنا هذا الكتاب المبارك . وقيل : هو معطوف على ما تقدم قبل شطر السورة من قوله تعالى : " ووهبنا له إسحاق ويعقوب " الأنعام : 84 ، " تماما على الذي أحسن " تماما للكرامة والنعمة على الذي أحسن على من كان محسنا صالحا يريد جنس المحسنين . وتدل عليه قراءة عبد الله : على الذين أحسنوا أو أراد به موسى عليه السلام أي تتمة للكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة في التبليغ وفي كل ما أمر به أو تماما على الذي أحسن موسى من العلم والشرائع من أحسن الشيء إذا أجاد معرفته أي زيادة على علمه على وجه التتميم . وقرأ يحيى بن يعمر : على الذي أحسن بالرفع أي على الذي هو أحسن بحذف المبتدأ كقراءة من قرأ : " مثلا ما بعوضة " البقرة : 26 ، الرفع أي على الدين الذي هو أحسن دين وأرضاه . أو آتينا موسى الكتاب تماما أي تاما كاملا على أحسن ما تكون عليه الكتب أي على الوجه والطريق الذي هو أحسن وهو معنى قول الكلبي : أتم له الكتاب على أحسنه .
" وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون وأن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون " .
" أن تقولوا " كراهة أن تقولوا " على طائفتين " يريدون أهل التوراة وأهل الإنجيل " وإن كنا " هي إن المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية . والأصل : وإنه كنا عن عاصيتهم غافلين على أن الهاء ضمير الشأن " عن دراستهم " عن قراءتهم أي لم نعرف مثل دراستهم " لكنا أهدى منهم " لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا وغزارة حفظنا لأيام العرب ووقائعهم وخطبها وأشعارها وأسجاعها وأمثالها على أنا أميون وقرئ : أن يقولوا أو يقولوا بالياء " فقد جاءكم بينة من ربكم " تبكيت لهم وهو على قراءة من قرأ : " يقولوا " على لفظ الغيبة أحسن لما فيه من الالتفات . والمعنى : إن صدقتكم فيما كنتم تعدون من أنفسكم فقد جاءكم بينة من ربكم فحذف الشرط وهو من أحاسن الحذوف " فمن أظلم ممن كذب بآيات الله " بعد ما عرف صحتها وصدقها أو تمكن من معرفة ذلك " وصدف عنها " الناس فضل وأضل " سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب " كقوله : " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب " النحل : 88 .
" هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتيهم ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون " .
" الملائكة " ملائكة الموت أو العذاب " أو يأتي ربك " أو يأتي كل آيات ربك .
بدليل قوله : " أو يأتي بعض آيات ربك " يريد آيات القيامة والهلاك الكلي وبعض الآيات أشراط الساعة كطلوع الشمس من مغربها وغير ذلك . وعن البراء بن عازب :