وعدت السورة الثمانين في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة المعارج وقبل سورة النازعات .
وفي ما روي عن ابن عباس والحسن ما يقتضي أن هذه السورة نزلت في أول البعث روي عن ابن عباس " كانت قريش تجلس لما نزل القرآن فتتحدث فيما بينها فمنهم المصدق ومنهم المكذب به " فنزلت ( عم يتساءلون ) .
وعن الحسن لما بعث النبي A جعلوا يتساءلون بينهم فأنزل الله ( عم يتساءلون عن النبأ العظيم ) يعني الخبر العظيم .
وعد آيها أصحاب العدد من أهل المدينة والشام والبصرة أربعين . وعدها أهل مكة وأهل الكوفة إحدى وأربعين آية .
أغراضها .
A E اشتملت هذه السورة على وصف خوض المشركين في شأن القرآن وما جاء به مما يخالف معتقداتهم ومع ذلك إثبات البعث وسؤال بعضهم بعضا عن الرأي في وقوعه مستهزئين بالإخبار عن وقوعه .
وتهديدهم على استهزائهم .
وفيها إقامة الحجة على إمكان البعث بخلق المخلوقات التي هي من أعظم من خلق الإنسان بعد موته وبالخلق الأول للإنسان وأحواله .
ووصف الأهوال الحاصلة عند البعث من عذاب الطاغين مع مقابلة ذلك بوصف نعيم المؤمنين .
وصفة يوم الحشر إنذارا للذين جحدوا به والإيماء إلى أنهم يعاقبون بعذاب قريب قبل عذاب يوم البعث .
وأدمج في ذلك أن علم الله تعالى محيط بكل شيء ومن جملة الأشياء أعمال الناس .
( عم يتساءلون [ 1 ] عن النبأ العظيم [ 2 ] الذي هم فيه مختلفون [ 3 ] ) .
افتتاح الكلام بالاستفهام عن تساؤل جماعة عن نبأ عظيم افتتاح تشويق ثم تهويل لما سيذكر بعده فهو من الفواتح البديعة لما فيها من أسلوب عزيز غير مألوف ومن تشويق بطريقة الأجمال ثم التفصيل المحصلة لتمكن الخبر الآتي بعده في نفس السامع أكمل تمكن .
وإذا كان هذا الافتتاح مؤذنا بعظيم أمر كان مؤذنا بالتصدي لقول فصل فيه ولما كان في ذلك إشعار بأهم ما فيه خوضهم يومئذ يجعل افتتاح الكلام به من براعة الاستهلال .
ولفظ ( عم ) مركب من كلمتين هما حرف ( عن ) الجار و ( ما ) التي هي اسم استفهام بمعنى : أي شيء ويتعلق ( عم ) بفعل ( يتساءلون ) فهذا مركب . وأصل ترتيبه : يتساءلون عن ما فقدم اسم الاستفهام لأنه لا يقع إلا في صدر الكلام المستفهم به وإذا قد كان اسم الاستفهام مقترنا بحرف الجر الذي تعدى به الفعل إلى اسم الاستفهام وكان الحرف لا ينفصل عن مجروره قدما معا فصار عما يتساءلون .
وقد جرى الاستعمال الفصيح على أن ( ما ) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر يحذف الألف المختومة هي به تفرقة بينها وبين ( ما ) الموصولة .
وعلى ذلك جرى استعمال نطقهم فلما كتبوا المصاحف جروا على تلك التفرقة في النطق فكتبوا ( ما ) الاستفهامية بدون ألف حيثما وقعت مثل قوله تعالى ( فيم أنت من ذكراها ) ( فبم تبشرون ) ( لم أذنت لهم ) ( عم يتساءلون ) ( مم خلق ) فلذلك لم يقرأها أحد بإثبات الألف ألا في الشاذ .
ولما بقيت كلمة ( ما ) بعد حذف ألفها على حرف واحد جروا في رسم المصحف على أن ميمها الباقية تكتب متصلة بحرف ( عن ) لأن ( ما ) لما حذف ألفها بقيت على حرف واحد فأشبه حروف التهجي فلما كان حرف الجر الذي قبل ( ما ) مختوما بنون والتقت النون مع ميم ( ما ) والعرب ينطقون بالنون الساكنة التي بعدها ميم ميما ويدغمونها فيها فلما حذفت النون في النطق جرى رسمهم على كتابة الكلمة محذوفة النون تبعا للنطق ونظيره قوله تعالى ( مم خلق ) وهو اصطلاح حسن .
والتساؤل : تفاعل وحقيقة صيغة التفاعل تفيد صدور معنى المادة المشتقة منها من الفاعل إلى المفعول وصدور مثله من المفعول إلى الفاعل وترد كثيرا لإفادة تكرر وقوع ما اشتقت منه نحو قولهم : ساءل بمعنى : سأل قال النابغة : .
أسائل عن سعدى وقد مر بعدنا ... على عرصات الدار سبع كوامل وقال رويشد بن كثير الطائي : .
يأيها الراكب المزجي مطيته ... سائل بني أسد ما هذه الصوت وتجيء لإفادة قوة صدور الفعل من الفاعل نحو قولهم : عافاك الله وذلك إما كناية أو مجاز ومحمله في الآية على جواز الاحتمالات الثلاثة وذلك من إرادة المعنى الكنائي مع المعنى الصريح أو من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه وكلا الاعتبارين صحيح في الكلام البليغ فلا وجه لمنعه