كتاب الصلاة .
يحتاج لمعرفة مسائل كتاب الصلاة إلى معرفة أنواع الصلاة و ما يشتمل عليه كل نوع من الكيفيات و الأركان و الشرائط و الواجبات و السنن و ما يستحب فعله فيه و ما يكره و ما يفسده و معرفة حكمه إذا فسد أو فات عن وقته .
فنقول و بالله التوفيق : الصلاة فى الأصل أربعة أنواع : ا - فرض 2 - و واجب 3 - و سنة 4 - .
و نافلة .
و الفرض نوعان : فرض عين و فرض كفاية .
و فرض العين نوعان : .
أحدهما : الصلوات المعهودة في كل يوم و ليلة .
و الثاني : صلاة الجمعة .
أما الصلوات المعهودة في كل يوم و ليلة فالكلام فيها يقع في مواضع في بيان أصل فرضيتها و في بيان عددها و في بيان عدد ركعاتها و في بيان أركانها و في بيان شرائط الأركان و في بيان واجباتها و في بيان سننها و في بيان ما يستحب فعله و ما يكره فيها و في بيان ما يفسدها و في بيان حكمها إذا فسدت أو فاتت عن أوقاتها أو فات شيء من صلاة من هذه الصلوات عن الجماعة أو عن محله الأصلي و نذكره في آخر الصلاة .
أما فرضيتها فثابتة بالكتاب و السنة و الإجماع و المعقول .
أما الكتاب : فقوله تعالى في غير موضع من القرآن { أقيموا الصلاة } .
و قوله : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } أي فرضا مؤقتا و قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى } .
و مطلق اسم الصلاة ينصرف إلى الصلوات المعهودة و هي التي تؤدى في كل يوم و ليلة و قوله تعالى : .
{ أقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل } الآية يجمع الصلوات الخمس لأن صلاة الفجر تؤدى في أحد طرفي النهار و صلاة الظهر و العصر يؤديان في الطرف الآخر إذ النهار قسمان : غداة و عشي و الغداة اسم لأول النهار إلى وقت الزوال و ما بعده العشي حتى إن من حلف لا يأكل العشي فأكل بعد الزوال يحنث فدخل في طرفي النهار ثلاث صلوات و دخل في قوله و زلفا من الليل المغرب و العشاء لأنهما يؤديان في زلف من الليل وهي ساعاته .
و قوله : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل و قرآن الفجر } .
قيل : دلوك الشمس زوالها و غسق الليل أول ظلمته فيدخل فيه صلاة الظهر و العصر .
و قوله : { وقرآن الفجر } أي و أقم قرآن الفجر و هو صلاة الفجرة فثبتت فرضية ثلاث صلوات بهذه الآية و فرضية صلاتي المغرب و العشاء ثبتت بدليل آخر و قيل دلوك الشمس غروبها فيدخل فيه صلاة المغرب و العشاء و تدخل صلاة الفجر في قوله : { و قرآن الفجر } و فرضية صلاة الظهر و العصر ثبتت بدليل آخر .
و قوله تعالى : { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون } .
روي عن ابن عباس Bه أنه قال : حين تمسون المغرب و العشاء و حين تصبحون الفجر .
و عشيا العصر و حين تظهرون الظهر ذكر التسبيح و أراد به الصلاة أي صلوا لله إما لأن التسبيح من لوازم الصلاة أو لأنه تنزيه و الصلاة من أولها إلى آخرها تنزيه الرب D لما فيها من إظهار الحاجات إليه و إظهار العجز و الضعف و فيه وصف له بالجلال و العظمة و الرفعة و التعالي عن الحاجة .
قال الشيخ أبو منصور الماتريدي السمرقندي : إنهم فهموا من هذه الآية فرضية الصلوات الخمس و لو كانت أفهامهم مثل أفهام أهل زماننا لما فهموا منها سوى التسبيح المذكور .
و قوله تعالى : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى } قيل في تأويل قوله : فسبح أي فصل قبل طلوع الشمس هو صلاة الصبح و قبل غروبها هو صلاة الظهر و العصر { و من آناء الليل } صلاة المغرب و العشاء و قوله : { وأطراف النهار } على التكرار و الإعادة تاكيدا كما في قوله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } إن ذكر الصلاة الوسطى على التأكيد لدخولها تحت اسم الصلوات كذا ههنا .
و قوله تعالى : { في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال } قيل الذكر و التسبيح ههنا هما : الصلاة و قيل : الذكر سائر الأذكار و التسبيح الصلاة و قوله بالغدو صلاة الغداة و الآصال صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء و قيل : الآصال هو صلاة العصر و يحتمل العصر و الظهر لأنهما يؤديان في الأصيل و هو العشي و فرضية المغرب و العشاء عرفت بدليل آخر .
و أما السنة فما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال عام حجة الوداع : [ اعبدوا ربكم و صلوا خمسكم و صوموا شهركم و حجوا بيت ربكم و أدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم ] .
و روي [ عن عبادة بن الصامت Bه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : إن الله تعالى فرض على عباده .
المؤمنين في كل يوم و ليلة خمس صلوات ] .
و [ عن عبادة أيضا Bه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : خمس صلوات كتبهن الله .
تعالى على العباد فمن أتى بهن ولم يضيع من حقهن شيئا استخفافا بحقهن فإن له عند الله عهدا أن يدخله الجنة و من لم يأت بهن فليس له عند الله مهد إن شاء عذبه و إن شاء أدخله الجنة ] و عليه إجماع الأمة فإن الأمة أجمعت على فرضية هذه الصلوات .
وأما المعقول فمن وجوه : .
أحدهما : أن هذه الصلوات إنما وجبت شكرا للنعم منها نعمة الخلقة حيث فضل الجوهر الأنسي بالتصوير على أحسن صورة و أحسن تقويم كما قال تعالى : { وصوركم فأحسن صوركم } .
و قال : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } حتى لا نرى أحدا يتمنى أن يكون على غير هذا التقويم و الصورة التي أنشىء عليها .
و منها : نعمة سلامة الجوارح عن الآفات إذ بها يقدر على إقامة مصالحه أعطاه الله ذلك كله إنعاما محضا من غير أن يسبق منه ما يوجب استحقاق شيء من ذلك فأمر باستعمال هذه النعمة في خدمة المنعم شكرا لما أنعم إذ شكر النعمة استعمالها في خدمة المنعم .
ثم الصلاة تجمع استعمال جميع الجوارح الظاهرة من القيام و الركوع و السجود و القعود و وضع اليد مواضعها و حفظ العين و كذا الجوارح الباطنة من شغل القلب بالنية و إشعاره بالخوف و الرجاء و إحضار الذهن و العقل بالتعظيم و التبجيل ليكون عمل كل عضو شكرا لما أنعم عليه في ذلك .
و منها : نعمة المفاصل اللينة و الجوارح المنقادة التي بها يقدر على استعمالها في الأحوال المختلفة من القيام و القعود و الركوع و السجود و الصلاة تشتمل على هذه الأحوال فأمرنا باستعمال هذه النعم الخاصة في هذه الأحوال في خدمة المنعم شكرا لهذه النعمة و شكر النعمة فرض عقلا و شرعا .
و منها : أن الصلاة و كل عبادة خدمة الرب جل جلاله و خدمة المولى على العبد لا تكون إلا فرضا إذ التبرع من العبد على مولاه محال و العزيمة هي شغل جميع الأوقات بالعبادات بقدر الإمكان و انتفاء الحرج إلا أن الله تعالى بفضله و كرمه جعل لعبده أن يترك الخدمة في بعض الأوقات رخصة حتى لو شرع لم يكن له الترك لأنه إذا شرع فقد اختار العزيمة وترك الرخصة فيعود حكم العزيمة يحقق ما ذكرنا أن العبد لا بد له من إظهار سمة العبودية ليخالف به من استعصى مولاه و أظهر الترفع عن العبادة و في الصلاة إظهار سمة العبودية لما فيها من القيام بين يدي المولى جل جلاله و تحنية الظهر له و تعفير الوجه بالأرض و الجثو على الركبتين و الثناء عليه و المدح له .
و منها : أنها مانعة للمصلي عن ارتكاب المعاصي لأنه إذا قام بين يدي ربه خاشعا متذللا مستشعرا هبة الرب جل جلاله خائفا تقصيره في عبادته كل يوم خمس مرات عصمه ذلك عن اقتحام المعاصي و الامتناع عن المعصية فرض و ذلك قوله تعالى : { و أقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات } و قوله تعالى { و أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر } .
و منها : إنها جعلت مكفرة للذنوب و الخطايا و الزلات و التقصير إذ العبد في أوقات ليله و نهاره لا يخلو عن ذنب أو خطأ أو زلة أو تقصير في العبادة و القيام بشكر النعمة و إن جل قدره و خطره عند الله تعالى إذ قد سبق إليه من الله تعالى من النعم و الإحسان ما لو أخذ بشكر ذلك لم يقدر على أداء شكر واحدة منها فضلا عن أن يؤدي شكر الكل فيحتاج إلى تكفير ذلك إذ هو فرض ففرضت الصلوات الخمس تكفيرا لذلك