والاحتراز منه وسواس ولنسم هذا الفن ورع الموسوسين حتى تلتحق به أمثاله وذلك لأن هذا وهم مجرد لا دلالة عليه نعم لو دل عليه دليل فإن كان قاطعا كما لو وجد حلقة في أذن السمكة أو كان محتملا كما لو وجد على الظبية جراحة يحتمل أن يكون كيا لا يقدر عليه إلا بعد الضبط .
ويحتمل أن يكون جرحا فهذا موضع الورع وإذا انتفت الدلالة من كل وجه فالاحتمال المعدوم دلالته كإحتمال المعدوم في نفسه ومن هذا الجنس من يستعير دارا فيغيب عنه المعير فيخرج ويقول لعله مات وصار الحق للوارث فهذا وسواس إذ لم يدل على موته سبب قاطع أو مشكك إذ الشبهة المحذورة ما تنشأ من الشك و الشك عبارة عن اعتقادين متقابلين نشآ عن سببين فما لا سبب له لا يثبت عقده في النفس حتى يساوي العقد المقابل له فيصير شكا ولهذا نقول من شك انه صلى ثلاثا أو أربعا اخذ بالثلاث إذ الأصل عدم الزيادة .
ولو سئل إنسان أن صلاة الظهر التي أداها قبل هذا بعشر سنين كانت ثلاثا أو أربعا لم يتحقق قطعا أنها أربعة وإذا لم يقطع جوز أن تكون ثلاثة وهذا التجويز لا يكون شكا إذ لم يحضره سبب أوجب اعتقاد كونها ثلاثا فلتفهم حقيقة الشك حتى لا يشتبه الوهم و التجويز بغير سبب فهذا يلتحق بالحلال المطلق .
ويلتحق بالحرام المحض ما تحقق تحريمه وإن أمكن طريان محلل ولكن لم يدل عليه سبب كمن في يدل طعام لمورثه الذي لا وارث له سواه فغاب عنه فقال يحتمل انه مات وقد انتقل الملك إلى فآكله فإقدامه عليه إقدام على حرام محض لأنه احتمال لا مستند له فلا ينبغي أن يعد هذا النمط من أقسام الشبهات وإنما الشبهة نعني بها ما اشتبه علينا أمره بأن تعارض لنا فيه اعتقادان صدرا عن سببين مقتضيين للاعتقادين .
ومثارات الشبهة خمسة المثار الأول الشك في السبب المحلل والمحرم .
وذلك لا يخلو إما أن يكون متعادلا أو غلب أحد الاحتمالين فإن تعادل الاحتمالان كان الحكم لما عرف قبله فيستصحب ولا يترك بالشك وإن غلب أحد الاحتمالين عليه بأن صدر عن دلالة معتبرة كان الحكم للغالب ولا يتبين هذا إلا بالأمثال و الشواهد فلنقسمه إلى أقسام أربعة .
القسم الأول أن يكون التحريم معلوما من قبل ثم يقع الشك في المحل فهذه شبهة يجب اجتنابها ويحرم الإقدام عليها .
مثاله أن يرمى إلى صيد فيجرحه ويقع في الماء فيصادفه ميتا ولا يدري انه مات بالغرق أو بالجرح فهذا حرام لأن الأصل التحريم إلا إذ مات بطريق معين وقد وقع الشك في الطريق فلا يترك اليقين بالشك كما في الأحداث والنجاسات وركعات الصلاة وغيرها وعلى هذا ينزل قوله A لعدي بن حاتم لا تأكله فلعله قتله غير كلبك // حديث لا تأكله فلعله قتله غير كلبك قاله لعدي بن حاتم متفق عليه من حديثه // .
فلذلك كان A إذا أتى بشيء اشتبه عليه أنه صدقة أو هدية سأل عنه حتى يعلم أيهما هو // حديث كان إذا أتى بشيء اشتبه عليه أنه صدقة أو هبة يسأل عنه أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة // .
وروى انه A أرق ليلة فقالت له بعض نسائه أرقت يا رسول الله فقال أجل وجدت تمرة فخشيت أن تكون من الصدقة // حديث انه أرق ليلة فقال له بعض نسائه أرقت يا رسول الله فقال أجل وجدت تمرة فأكلتها فخشيت أن تكون من الصدقة أخرجه احمد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بإسناد حسن // .
وفي رواية فأكلتها فخشيت أن تكون من الصدقة ومن ذلك ما روى عن بعضهم انه قال كنا في سفر مع رسول الله A فأصابنا الجوع فنزلنا منزلا