وفوض إليه الوزير تدريس النظامية وعظمت حشمته ببغداد حتى علت على الأمراء والكبار وأعجب به أهل العراق ثم أنه ترك جميع ما كان فيه في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربع مائة وسلك طريق التزهد والانقطاع وحج فلما رجع توجه إلى الشام فأقام في مدينة دمشق مدة يذكر الدروس في زاوية الجامع المعروفة الآن به في الجانب الغربي ثم توجه إلى القدس واجتهد في العبادة وزيارة المشاهد والمواضع المعظمة ثم قصد مصر وأقام بالاسكندرية مدة ويقال أنه عزم منها على ركوب البحر للاجتماع بالأمير يوسف ابن تاشفين صاحب مراكش لما بلغه منه من محبة أهل العلم والإقبال عليهم فبلغه نعى المذكور فعاد إلى وطنه بطوس وصنف بها كتباً نافعة ثم عاد إلى نيسابور وألزم بتدريس النظامية بعد معاودات ثم ترك ذلك وأقام بوطنه واتخذ خانقاه للصوفية ومدرسة للمشتغلين بالعلم في جواره ووزع أوقاته على وظائف الخير من ختم القرآن ومجالسة أهل القولب وأما مصنفاته فمنها كتاب أحياء علوم الدين وهو من أجل الكتب وأعظمها حتى قيل فيه أنه لو ذهبت كتب الإسلام وبقي الأحياء لأغنى عما ذهب وأول ما دخل إلى الغرب أنكروا فيه أشياء وصنفوا عليه الإملاء في الرد على الأحياء قال الشيخ جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي : قد جمعت أغلاط الكتاب وسميته أعلام الأحياء بأغلاط الأحياء وأشرت إلى بعض الأرض في كتابي تلبيس إبليس وقال سبطه أبو المظفر : وضعه على مذاهب الصوفية وترك فيه قانون الفقه كما ذكر في مجاهدة النفس إن رجلاً أراد محو جاهه فدخل الحمام فلبس ثياب غيره ثم لبس ثيابه فوقها وخرج يمشي على مهل حتى لحقوه فأخذوها منه فسمى سارق الحمام وذكر مثل هذا على سبيل التعليم للمريدين وهذا قبيح لإنه متى كان للحام حافظ وسرق منه سراق قطع ثم لا يحل لمسلم أن يتعرض لمر يؤثم الاس به ف يحقه وذكر أن رجلاً اشترى لحماً فرأى في نفسه أنه يستحيي من حمله إلى بيته فعلقه في عنقه وهذا في غاية القبح ومثله كثير انتهى وأكروا عليه ما فيه من الأحاديث التي لم يصح ومثل هذا يجوز في الترغيب والترهيب والكتاب غاية في النفاسة وكان الإمام فخر الدين يقول : كان الله جمع العلوم في قبة وأطلع الغزالي عليها أو كما قال ومن مصنفاته البسيط والوسيط وهو عديم النظير في بابه من حسن ترتيبه وعليه العمدة الآن في إلقاء الدروس والوجيز والخلاصة هذه الأربع في الفقه قال بعضهم فيها : .
هدب المذهب حبر ... أحسن الله خلاصه .
ببسيط ووسيط ... ووجيز وخلاصه .
ويقال أنه قيل له ما علمت شيئاً أخذت الفقه من كلام شيخك في نهاية المطلب والتسمية لكتبك من الواحدي ويقال أن نهاية المطلب لإمام الحرمين كانت زبر حديد فجعلها الغزالي زبر خشب ومن مصنفاته المستصفى في أصول الفقه والمنخول واللباب وبداية الهداية وكيمياء السعادة والمآخذ والتحصين والمعتقد والجام العوام والرد على الباطنية ومقاصد الفلاسفة وتهافت الفلاسفة وجواهر القرآن والغاية القصوى وفضائح الأباحية وغور الدور والمنتخل في علم الجدل ومعيار العلم والمضنون به على غير أهله وشرح الأسماء الحسنى ومشكاة الأنوار والمنقذ من الضلال والقسطاس المستقيم وحقيقة القولين وأورد ابن السمعاني من نظمه قوله : .
حلت عقارب صدغه من وجهه ... قمراً فجل به عن التشبيه .
ولقد عهدناه يحل ببرجها ... ومن العجائب كيف حلت فيه .
وأورد له العماد الكاتب في الخريدة قوله : .
هبني صوت كما ترون بزعمكم ... وحظيت منه بلثم خد أزهر .
إني اعتزلت فلا تلوموا أنه ... أضحى يقابلني بوجه أشعري .
وأورد له ابن النجار : .
فقهاؤنا كذبالة النبراس ... هي في الحريق وضوءها للناس .
خبر ذميم تحت رايق منظر ... كالفضة البيضاء تحت نحاس .
وكانت ولادته في سنة خمسين وأربع مائة وقيل سنة إحدى وخمسين بالطابران وتوفي يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمس مائة بالطابران ورثاه أبو المظفر محمد الأبيوردي بأبيا فائية منها : .
مضى وأعظم مفقود فجعت به ... من لا نظير له في يخلفه .
وتمثل الإمام اسماعيل الحاكمي بعد وفاته بقول أبي تمام الطائي :