وقال إياس : ما غلبني قط سوى رجل واحد وذاك أني كنت في مجلس القضاء بالبصرة فدخل علي رجل شهد عندي أن البستان الفلاني . وذكر حدوده هو ملك فلان فقلت له : كم عدد شجرة ؟ فسكت ثم قال : منذ كم يحكم سيدنا القاضي في هذا المجلس ؟ فقلت : منذ كذا . فقال : كم عدد خشب سقفه ؟ فقلت له : الحق معك ! .
وأجزت شهادته . وقيل : إنه كان يوماً في موضع فحدث فيه ما أوجب الخوف وهناك ثلاث نسوة لا يعرفهن . فقال : هذه حامل وهذه مرضع وهذه عذراء ! .
فقيل له : من أين علمت ذلك ؟ قال : إن عند الخوف لا يضع الإنسان يده إلا على أعز ما له الذي يخاف عليه ورأيت الحامل قد وضعت يدها على جوفها والرضع وضعت يدعا على ثديها والعذراء وضعت يدها على فرجها . ونظر يوماً وهو بواسط إلى آجرة فقال : تحت هذه الآجرة دابة . فنزعوا الآجرة فإذا تحتها حية مطوقة فسألوه عن ذلك فقال : إني رأيت ما بين الآجرتين ندياً من بين جميع آجر تلك الرحبة فعلمت أن تحتها شيئاً يتنفس . ومر يوماً بمكان فقال : أسمع صوت كلب غريب ! .
فقيل له في ذلك فقال : عرفته بخضوع صوته وشدة نباح غيره من الكلاب . فكشفوا عن ذلك فوجدوا كلباً مربوطاً والكلاب تنبحه . وكان يوماً في برية فأعوزهم الماء فسمع نباح كلب فقال : هذا على رأس بئر . فاستقروا النباح فوحدوه كما قال فسألوه عن ذلك فقال : لأني سمعت صوته كالذي يخرج من بئر . وتحاكم إليه اثنان فقال أحدهما : إني نزلت إلى النهر لأستحم ولي قطيفة خضراء جديدة وضعتها على جانب النهر وجاء هذا وعليه قطيفة حمراء عتيقة فوضعها ونزل الماء ولما طلعنا سبقني وأخذ القطيفة الخضراء . فقال : ألكما بينة ؟ فقالا : لا . فامر بمشط فحضر فمشطهما به فلما فعله خرج الصوف الأخضر من رأس صاحب القطيفة الخضراء فأمر له بها . ونظر يوماً إلى رجل فقال : هذا غريب من واسط فقيه كتاب هرب منه عبد ! .
فقيل له في ذلك فقال : أما إنه من أهل واسط فإن في ثيابه أثر تراب واسط وأنا أنه غريب فإنه يمشي ويسأل وأما أنه فقيه كتاب فإنه لا يميل إلا إلى الصغار ولا يأنس إلا بهم ولا يسأل إلا منهم وأما أنه هرب منه عبد فإنه إذا رأى أسود تلمحه ونظر إليه طويلاً . وكان إياس يقول : كل من لم يعرف عيب نفسه فهو أحمق . فقيل له : فما عيبك ؟ قال : كثرة الكلام . وإياس في عداد السادات الطلس لأنه لم يكن بوجهه نبات .
وروى المسعودي في شرح المقامات الحريرية : إن المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي وخلفه وقدامه أربعمائة طيلسان من العلماء وغيرهم فقال المهدي : أف لهذه العثانين أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث ؟ ثم قال له المهدي : كم سنك ؟ فقال : سني أطال الله بقاء أمير المؤمنين سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله A جيشاً فيهم أبو بكر وعمر Bهما . فقال : تقدم بارك الله فيك ! .
وكان سنة سبع عشرة سنة . قلت : وفيه يعد لأن إياساً توفي في دولة بني أمية . وقال إياس في العام الذي مات فيه : رأيت في المنام كأني وأبي على فرسين فجريا معاً فلم أسبقه ولم يسبقني وعاش أبي ستاً وسبعين سنةً وأنا فيها . فلما كان آخر لياليه قال : أتدرون أي ليلة هذه ؟ استكملت فيها عمر أبي ! .
ونام فأصبح ميتاً .
إياس بن وذفة .
بفتح الواو والذال المعجمة والفاء . الأنصاري وقيل فيه الدال المهملة . شهد بدراً وقتل يوم اليمامة شهيداً .
مملوك الكندي .
إياس هو أبو الجود وأبو الفتح مولى الشيخ تاج الدين الكندي مشرف الجامع الأموي المتكلم في بسطه وحصره . كان حنفياً حدث عن معتقه وروى عنه الدمياطي . وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة .
أيان الساقي