أن يدخل الجمل في ثقب إبرة من أن يدخل غني إلى ملكوت الله» فالرأي الأول يكذبه الواقع. أما الرأي الثاني فهو باطل أيضاً لأنه عاجز عن رد اعتراضات كثيرة أهمها: أولا: كيف نفسر نشوء الدين في المجتمعات البدائية التي حبستها الماركسية نفسها تعيش في حالة لا طبقية فلا طبقات فيها ولا بؤس طبقي. ثانياً: كيف نفسر انضمام غير المضطهدين وتقبلهم رأي الطبقة المضطهدة بل إنهم كانوا يضحون بكل شيء حتى بنفوسهم في سبيل عقيدتهم: وهكذا رأينا فشل الرأي الماركسي في مسألة نشوء الدين. أما مسألة تطور الفكر الديني فهي تفسره أيضاً على أساس اقتصادي مستندة إلى شيء من تاريخ المسيحية فتقول: بأن الشعوب لما كانت بشكل مجتمعات قومية مستقلة كانت لها آلهة قومية مستقلة، ولكن لما اندمجت ـ أي الشعوب ـ في أمبراطورية عالمية هي الإمبراطورية الرومانية، ظهرت الحاجة إلى دين عالمي، فكانت المسيحية، ولما كانت المسيحية قد اتخذت شكلا إقطاعيا فقد تعارضت مع القوى الرأسمالية الجديدة وكانت النتيجة هي حصول حركة الإصلاح الديني «البروتستانتية»([36]). وهنا نقول: إن كان هذا صحيحاً وجب أن تنشأ المسيحية في قلب الإمبراطورية الرومانية، وأن تنمو حركة الإصلاح الديني في أكثر المجتمعات الأوروبية نمواً. ولكن التاريخ يكذب ذلك: فالمسيحية نشأت في إحدى المستعمرات الشرقية للرومان وبين شعب يهودي مضطهد، لم يكن يحلم إلاّ بالاستقلال القومي، وقد ثار ثورات كثيرة وقتل منه عشرات الألوف من الضحايا، فكيف تكون ظروفه منتجة لدين تحتاجه الدولة الرومانية المستعمرة؟! أما البروتستانتية فقد ظهر زعيمها الأول «لوثر» في ألمانيا، وزعيمها الثاني في «فرنسا» في حين أن ألمانيا وفرنسا كانتا منطقتين متأخرتين عن انكلترا التي كانت فيها البرجوازية أقوى