/ صفحه 382/
المعروف، بل كان آخر هذه الاركان ذكرا ؟ فلم خص عن بعضها بهذه العناية التفصيلية ؟ ولم لم يكن كالصلاة وهي عماد الدين، أو الزكاة وهي نظام التأمين الاجتماعي في الإسلام كما يسميها بعض العلماء، لم لم يكن كالصلاة أو الزكاة حيث فرضهما الله على المؤمنين إجمالا، ولم يعرض في كتابه لسائر تفاصيلهما.
أجل إنه لسر عظيم. لقد ذكر الحج بين أركان الإسلام الخمسة التي جاء ذكرها في الحديث الشريف، وجاء ذكره في آخرها، ولكن ليس ذلك لانه آخر هذه الأركان منزلة، وأقلها شأنا، بل لأنه أعلاها في مراتب الترقي والوصول إلى الكمال، فان اركان الإسلام الاربعة التي تقدمته كلها تمهيد له وإعداد بالتطهير والتزكية، حتى إذا أقبل المرء إليه كان صافي النفس، مطمئن القلب، راسخ الايمان، ولذلك كان الحج المقبول عند الله بمثابة خلق الله لصاحبة من جديد، وفي ذلك يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه "، فشهادة ان لا اله الا الله، وان محمدا رسول الله هي الخطوة الاولى التي يتقدم بها الإنسان فيعترف بأصل العلاقة بينه وبين ربه ورسول ربه، ومع ما لهذا الاعتراف قيمة في ذاته، فهو لا يكلف صاحبه بذلا ولا تضحية، ولا يستغرق منه جهدا ولا وقتا، بل إن فيه لذوي البصائر وأولي الالباب لذة هي لذة العرفان، وجمالا هو جمال الادراك للحق، فاذا آمن قلبه كانت الخطوة التالية لهذا الإيمان ان يتوجه إلى هذا الاله الذي آمن به، واعترف بوحدانيته، خاشعا مناجياً، في صلاة رسمها له، وحدد له أركانها وورسائلها وشرع له قبلتها، وهذه عبادة مع سموها وجلالة شأنها، لاتكلف صاحبها جهدا كبيراً، ولا تأخذ منه وقتا طويلاً، فأن ادنى ما تصح به صلاة الفريضة لا يتجاوز بضع دقائق وما زاد على ذلك فهو كمال، ثم تأتي بعد ذلك الخطوة الثالثة، وفيها شئ من التضحية والبذل، ذلك ان يؤدي زكاة ماله، فيقتطع جزأ معينا طيبة به نفسه ليعطيه الفقراء والمساكين، وبهذا الركن الثالث تكون أول تربية أيجابية، وتزكية نفسية من الشح والاستئثار يطهر الله بها القلوب، فإنه ما من شئ يتميز به الإيمان الصادق من التظاهر الزائف، كالتضحية المالية، ولقد نرى كثيراً