/ صفحه 415/
ومع هذا لم يكن الأصمعي وسيما، ولعله كان أقرب إلى الدمامة إن لم يكن دميما فلقد روى البغدادي في كتابه " تاريخ بغداد " عن الأصمعي قال: " دخلت على جعفر بن يحيى بن خالد يوما فقال لي: يا أصمعي هل لك من زوجة ؟ قلت: لا، قال: فجارية ؟ قلت: جارية للمهنة، قال: فهل لك أن أهب لك جارية لطيفة ؟ قال: إني لمحتاج إلى ذلك، فأمر بإخراج جارية إلى مجلسه، فخرجت جارية في غاية الحسن والجمال والهيئة والظرف والمقال، فقال لها: قد وهبتك لهذا، وقال: يا أصمعي خذها، فشكرته، وبكت الجارية وقالت: يا سيدي تدفعني إلى هذا الشيخ مع ما أرى من سماجته، وقبح منظره، وجزعت جزعا شديداً ! فقال: يا أصمعي هل لك أن أعوضك منها ألف دينار ؟ قلت: ما أكره ذلك، فأمر لي بألف دينار ودخلت الجارية، فقال لي: يا أصمعي إني أنكرت من هذه الجارية أمراً، فأردت عقوبتها بك ثم رحمتها منك، قلت: أيها الأمير فهلا أعلمتني قبل ذلك ؟ فإني لم آتك حتى سرّحت لحيتي، وأصلحت عمتي، ولو عرفت الخبر لصرت على هيئة خلقتي فو الله لو رأتني كذلك لما عاودت شيئا تنكره منها أبدا ما بقيت ".
ويؤكد هذا أيضاً ما رواه أبو الفرج والشريشي لمناسبة سنذكرها إن شاء الله في مكانها من هجو اسحاق الموصلي له بأبيات يقول في أولها:
أليس من العجائب أن قردا ***** أصيمع باهليا يستطيل ؟!
ويهجوه في بيتين آخرين يخاطب فيهما الفضل بن الربيع:
عليك ابا عبيدة فاصطنعه ***** فإن العلم عند أبي عبيدة
وقدمه، وآثـره عليه ***** ودع عنك القُريد ابن القريدة
فتشبيه اسحق له بالقرد مرة وبالقُريد أخرى، وأنه أصيمع ربما يزيد على دمامته ووصفه بالضآلة والقصر أيضا، وبذلك لا نستطيع أن نقول كان الأصمعي مفرط الطول، كما لا نستطيع أن نقول إنه كان بائن القصر وإن احتملته مبالغة اسحق، ولا كان مثلا في الدمامة والقبح، لأن شيئا من ذلك لم يرو عنه، ولو صح لعلمناه كما علمنا من جحوظة عيني الجاحظ ودمامته، وقبح عمي بشار وضخامته.