/ صفحه 45/
إن إيه فكرة تبدو فيعتنقها من يستصوبها لا قلبث أن تصير جامعة بين أنصارها تربطهم برباطها، وتجمعهم بجامعتها فيعرفون بها، ويتعاونون في سيل نصرتها والدفاع عنها، والدعوة إليها، فما بالك برابطة ينشئها دين قيم يدعو إلى الأيمان بإله واحد، والتوجه إلى وجهة واحدة، والسعي إلى تحقيق غرض سام واحد،‌ يتطلب تحقيقة تعاون من يبتغيه، ومؤازرة بعضهم بعضا، ووقوفهم أمام معارضيهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
دعا الإسلام إلى الوحدة لأنها طيعته‌ وركنه الذي تقوم عليه دعوته الدينية العامة الموجهة إلى الناس إجمعين. ولقد استجاب لها المسلمون في أول عهدهم فأكسبتهم قوة وعزة وغلبة عزت بها الدعوة الدينية فانتشرت وانتصرت وصدت من عارضها، فتفتحت أمامها الطرق، واتسع الأفق، وعمت بلاد من كان يعارضها ويدفعها ويقف في طريقها بما كان له من قوة ومال وجاه ورجال.
عني الأسسلام كثيرا بتقوية بكل الوحدة، وإحكام تلك الرابطة حتى جعلها أخوة بين المسلمين تنمحي فيها الفوارق، وتخفتفي فيها الطبقات، ويتساوي فيها جميع الأفراد في منازله وحقوقهم وواجباتهم، كما يتساوي الأخوة في ذلك من الآسرة الواحدة.
أراد الإسلام إن يجعل لهذه الوحدة وتلك الرابطة ما لرابطة الأخوة من القوة والمكانة والحرص على صيانها، والبعد بها عن أن تتعرض لمعاولي الهدم واتلفريق وأسباب الخصومة‌ والنزاع، فنزل قولة تعالى في سورة الحجرات:
"إنما المؤمنون أخوة‌فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله" بينا لمنزلة هذه الرابطة وإيجابا لصيانتها بالإصلاح بين أفرادها إذا ما اشتجر بينهم خلاف، أوئ عصفت فيهم ريح فرقة، وليس أدل على مكانتها من أن يعدها الله نعمة يمتن بها عليهم، ويدعوهم إلى الحرص عليها، ويخذرهم من الفرقة بعد اعتصامهم بها، إذ يقول في سورة آل عمران: "و اعتصموا بحمل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" وإذا يقول فيها أيضاً