/ صفحة 402/
أما الجماعات والأمم التي هي في دور الانتقال من مرحلة البدائية والطفولة إلى مرحلة الرشد فادراكها للأمور غير متميز وغير واضح. أشبه بحال المراهق الذي لم ينفصل تماما من الطفولة ولم يجتز بقدميه مرحلة الرشد، بل لم قدم في الأولى وقدم أخرى في الثانية.
و لهذا يغلب الاحتراف بالقيم في هذه الجماعات ويكثر فيها المنتسبون إلى هذه القيم وهم ليسوا من أربابها، بل من المتوسلين بها.
و كما يكثر فيها الأدعياء والمحترفون بالقيم الرفيعة يكثر فيها الاضطراب والتردد كنتيجة لهذا الاحتراف: تنقاد هذه الجماعات فترة لهذا المحترف، وتنصرف عنه لغيره فترة أخرى، وربما تعود للأول أو تنصرف عن كليهما إلى ثالث وهكذا … وهي لم تستقر بعد إلى جانب القيم نفسها فتجعلها موازين للزعماء والائمة، بدل أن تتخذ من هؤلاء الزعماء والأئمة عناوين القيم.
الزعيم والقيمة مختلطان في تصور الشعوب التي في دور الانتقال، وشخص الزعيم أولى بالدلالة على القيمة في هذا التصور، ولذا كان الزعيم هو مقياس القيمة، وليست مظاهر القيمة هي الدالة على قرب الزعيم أو بعده من القيمة نفسها.
في الشعوب البدائية توجد افراد، ولا توجد ((قيم)).
وفي الشعوب الراقية توجد أفراد، وتوجد ((قيم))، ويوجد أصحاب لهذه القيم.
وفي الشعوب نصف المتحضرة، توجد أفراد، ثم يوجد خلط من القيم، والمنتسبين إليها، ولكن يرجح في القياس والعنونة والدلالة في هذا الخلط ((الشخص)) دون ((القيمة)): ((الوطنية)) هي المنادى بالوطنية، و((الدين)) هو المتحدث به، و((السياسة)) هي المشتغل بها... وهكذا.
لهذا تختلف هذه الشعوب حول ((الاشخاص)) وليس حول ((القيم)) أو المبادىء وتتعصب للأشخاص دون المعانى العامة.
و المنتسبون إلى هذه القيم في هذه الشعوب أكثر جاها، وان كانوا محترفين، من أصحاب هذه القيم في الشعوب المتحضرة.