/ صفحة 39 /
تنادى هذه "المادية" في توجيه الإنسان بأن ينزع الإنسان في سعيه إلى اقتناص عناصر الحياة المادية، وبالأخص إلى المال منها، وفي سلوكه الشخصي إلى تحقيق مظاهر المتع الجسمية بضروبها المختلفة، وفي سلوكه الجماعي إلى تقدير النفع المتبادل وتكوين الصلات الفردية على هذا الأساس وحده، وفي بحثه العلمي إلى الاهتمام بالظواهر الطبيعية وربط ما يقع منها في الوجود بعضها ببعض، دون حاجة إلى توجيه النظر في ذلك إلى خارج الطبيعة المشاهدة نفسها. فالوجود "الحاضر" هو الموضوع الذي يجب أن يتجه إليه الإنسان إن عمل أو فكر، ؤو قوَّم، أو حكم، وهو الهدف الذي يجب أن تدور في فلكه الجماعة الإنسانية في عملها، وتفكيرها، وتقويمها، وما يذكره الدين من أن هناك موجوداً أسمى هو "الله" وأنه وراء الوجود الحاضر المشاهد، وأنه الموجود الخالي عنم الغرض، والمريد الخير لجميع الناس والنظام في هذه العالم بطلفب تحقيق العدل والرحمة فيه - لا تحفل به "المادية" في التوجيه، بل كثيراً ما تعلن الستخفافها به، وكثيراً ما تنكره وتشدد في إنكاره. وما يدعو إليه الدين من الإحسان لوجه الله، والمساعدة والمعاونة لوجه الله: إحسان العالم بعلمه، وإحسان صاحب المال بماله، ومعاونة صاحب السلطان والجاه بسلطانه وجاعه - أمر تراه "المادية" في التوجيه يتصل بخيال الشعراء أو أساطير الأولين التي حالت بين الإنسان وبين واقع أمره في الحياة فترة طويلة من الزمن، وعاقته عن أن يفهمه كما هو، وأن ينتفع به على حقيقته. وما تنادى به المذاهب الأخلاقية الإنسانية من نصرة الضعيف لأنه ضعيف وإحقاق الحق لأنه حق في ذاته، ومن عمل الخير لأنه يصح أن يقصد لنفسه... وغير ذلك مما تنصح الأفراد بعمله لأنه ينطوي على قيمة من القيم المعنوية فشأنه لغو، ويعتبر في عداد الأمور التي تخدع ولا تجدي، والفرد إن أتى بها فلأه توهم فيها متعة فحسب وليست بذات متعة، فضلا عن أن تكون وسيلة إلى متعة أُخرى مرتقبة!!