/ صفحة 57/
بشار وأبى نواس وغيرهم، في الدولة العباسية; ومنهم أمير الشعراء أحمد شوقى في ثورة سنة 1919، فقد كان صدره رحمه الله يغلى بالثورة على هؤلاء الذين سلوا عرش سيده الخديو عباس، ثم لم يكتفوا بطرده من بلده عديل نفسه، بل تتبعوا أولياءه وحاشيته يمزقونهم كل ممزق، ويفسدون عليهم، ما بقى لهم من هدوء الحياة فوجد في الثورة متنفساً يصرف به ما بين جوانحه، ويقول فيصدق، لأنه يصدر عن عاطفة، ويصور شعوراً يحسه في أعماقه، ويشهد مثله في بلده، وعند أحرار قومه، كما يشهد مثله في سورية، وفي العراق، وفي غير سورية والعراق، من الأوطان العربية المغلوبة على أمرها، فيجيد التصوير، ثم يهتف بهؤلاء جميعاً، فتجاوبه الأصداء من كل أفق: يا لبّيْكاه، يا لبيكاه!
والصنف الآخر يلبس ثيابه عبد، تشتمل أشباحه على نفوس حشرات طفيلية في طبيعتها أن تعيش في أجسام الحيوانات العليا ; فلا بد لها من سيد، لو لم تجده، لخلقته، لتعبده، وتسقط تحت قدميه خاشعة ذليلة، مقدسة لجلاله، مسبحة بحمده!
وأمثال هؤلاء وهم ـ ولا كفران لله ـ عندنا كثير، لا يمكن أن يواكبوا الثورة، ولا أن ينزعوا عن قوسها، إلا بعد أن تستقر الأُمور في نصابها، وتتضح المذاهب والاتجاهات، وتتمايز المراكز; عند ذلك يملئون اصطواناتهم على ما يشا كل الاتجاه الغالب، والجانب المأمون.
ومن هنا كان النتاج الثورى للأدب، يأتى دائماً متأخرا؟