/ صحفة 427 /
من ظهور الإسلام، إلى عصرنا الحاضر، ولسنا نقول هذا جزافا، وإنما نقوله وعندنا من ماضي الإسلام مع المسيحية في عهد النبوة ما يؤيده.
نشأ الإسلام بين دولتين متنافستين: دولة الروم المسيحية بالغرب، ودولة الفُرس المجوسية في الشرق، وكان الفساد متغلغلا فيهما، فوازن بينهما موازنة عادلة في هذا الفساد، ورأى أن دولة الروم أقرب إليه درباً، وأن الطغيان لم يصل في ملوكها إلى دعوى الألوهية، كما وصل في دولة الفرس، حتى إن كسرى بزويز ملك الفرس كتب إلى هرقل ملك الروم حين استولى جيشه على بيت المقدس سنة 614م ما يأتي:
((من كسرى أعظم الآلهة، وسيد العالم كله، إلى هرقل عبده، ألم أقض على الأغريق؟ إنك تقول إنك تثق في إلهك، فلماذا لم يخلص من يدي قيسرية وبيت المقدس والإسكندرية؟ وهل أنا لن أخرب القسطنطنية أيضاً؟ على أني سأغفر كل جميع ذنوبك إذا قدمت لاي ومعك روجتك وأطفالك، سأمنحك الأراضي والكروم وعروش الزيتون، وسأنظر إليك نظر رحمة، لا تغش نفسك بأملك الخائب في ذلك المسيح الذي لم يستطع أن ينفذ نفسه من اليهود الذين قتلوه وصلبوه)).
وكذلك بلغ الفريق بين طبقات الفرس أسوأ ما بلغ إليه في أمة من الامم، حتى إن إسكافياً في عهد كسرى أبو شروان ـ وكان من أعدل ملوكهم ـ أراد أن يأذن بتعليم ابنه الخط والأدب ليكون كاتبا، ولا يبقى في حرفته يرثها عنه، وعرض على وزيره بزرجهر أن يقرضه من المال ما شاء، فعرض بزرجمهر هذا عليه فقال هل: انصرف ورد إلى الإسكافي أحمال الدارهم والدنانير، أما ترى أن ولد المحترف إذا صار كاتبا وأديبا، وعالما وأريبا، صار من الغر لولدنا خادما، ومنه قريبا، فلا يبقى عند أهل الأدب وأرباب الحسب والنسب من أهل البيوتات واصحاب المروءات سوى الهم والحزن والحسرة والأسف، وهل يأتي الخير من ولد المحترف؟ إنه إذا علت مرتبته استهان بذوى الألباب، واستعظم لهم في الثواب رد الجواب، فيستجلب لنا بعد موتنا اللغن والذم فآثر الإسلام حين رأى هذا