/ صحفة 57 /
2 ـ وللغرب تطور واسع في بحوث العلوم الطبيعية للتجربية والكيمائية. ونتائج هذه البحوث تبلغ في الدقة درة اليقين في كثير من جوانب هذا البحث. لأنه لم يكتف فيها بالمراقبة والملاحظة لظواهر الطبيعة وأحداثها، وتفاعل العناصر التي يضم بعضها إلى بعض، ثم رصد التغيرات التي تصاحبها، بل استعان في ذلك بالتجربة، وبتحكيم مقاييس الاختبار الآلي والصناعي في استحداث هذه التغييرات، حتى لا يكون فهمه للطبيعة وقفاً على الصدفة، وحتى لا يتأخر الانتفاع بها على الوجه الصحيح إلى وقت قد يطول أجله.
وهذه البحوث الطبيعية والكيمائية الدقيقة هي مقدمات حضارته الصناعية في الأرض، والماء، والهواء. وكلها تتصل اتصالا مباشراً أو غير مباشر برفع المستوى الصحى، والاجتماعي، والاقتصادي للانسان.
هذا التطور الحضاري في ناحيته: ناحية الصناعة، وناحية البحث الطبيعي والكيمائي، له أثره الايجابي المحايد في الحياة الإنسانية. سواء في جانب رفع المستوى المادي في المعيشة، أو في جانب الانتاج العقلي والفني. إذ مما لا شك فيه أن الانتاج الذهني مرتبط ارتباطا وثيقا ـ ارتفاعا وانخفاضا ـ بالحالة الصحية والنفسية للانسان.
وإذا كان أثر هذه الحضارة الصناعية ومقدماتها من البحوث الطبيعية والكيمائية أثراً ايجابيا، ومحايداً فموقف الشرق منها يجب أن يكون موقف الغرب: سعى لاقتباسها، وتفهم لأصولها وبحوثها، واستمرار في تنميتها وترقيتها، وتوسيع لدائرة تطبيقها. ويوم يقف الشرق منها موقف المتفرج فقط، أو موقف المتردد في تقويمها وتقديرها ـ يوم يكون قد تصورها على أنها ضروب من السحر أو الشعوذة، يومئد يكون قد أخطأ فهمها، وبالتالي تكون نتيجة تخلفه عنها على حسابه نفسه كفرد وكجماعة.