/ صفحه 231/
من خبث وفحش، أو بما فيه من خير ومنفعة: ((ويسألونك عن المحيض، قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض)) ومن هنا، كان الفحش والضرر أصلا يتحاكم إليه وجودا وعدما في حل أو حرمة ما لم ينص الشارع على حله أو حرمته مما لم يكن موجودا في زمن التشريع. وإذن، فمتى عرفت للشىء آثار ضارة، أو عرف أن ضرره أكثر من نفعه، كان حكمه في نظر الإسلام بمقتضى هذا الأصل التشريعي، هو التحريم، ومتى لم يعرف للشىء آثار ضارة في ناحية ما، أو عرف له ضرر ما، ولكن عرف له خير أعظم من ضرره، كان حكمه بمقتضي هذا الأصل، هو الحل وإن لم يرد في الحالين نص بتحريمه أو تحليله، وبذلك تكون المخدرات التي عرفت بعد زمن التشريع وعرفت بآثارها السيئة حكمها بمقتضي هذا الأصل هو حكم ما حرمه الله لخبثه وسوء آثاره، وإن لم يرد في القرآن نص على تحريمه، وهذا هو ميزان الحل والحرمة بينه في كثير من الجزئيات التي يعهدها الناس وقت التنزيل، وتركه قاعدة عامة يرجعون إليها في كل ما يتاح لهم، ويكشف عنه الوجود.
ويستوى في ذلك جميع الأفعال والأقوال ظاهرة وباطنة حتى المعاني النفسية التي تنطوى عليها الصدور ويكون لها من الآثار في أصحابنا أو في غيرهم ما يضعف حياتهم وينزل بكرامتهم ويفسد مجتمعهم. وقد كان هذا الميزان الأصل الواضح الذي يعرف به دوام الشريعة وعموم سلطانها، وتكفلها ببيان حكم أفعال الإنسان وأقواله، وجميع ما يصدر عنه مهما امتدت الحياة، ومهما تغير لونها ووجهها، وليس عمومها قاصرا على النص على أحكام جميع ما يمكن أن يحدث في الحياة، فإن ما يحدث لا يمكن أن ينتهى ولا أن يعد إلا بعد انتهاة الحياء، والاحتفاظ بكل ما يحدث فيها. وليس من المعقول أن يتأخر التشريع لأحداث بعد انقضاء حياتها، كما أنه ليس من المعقول أن يوضع تشريع لكل هذه الأحداث المتجددة المتعاقبة في كتاب يجب بمقتضي الحكمة أن يكون محدود العبارة في استطاعة الإنسان الإلمام به، والإحاطة بما فيه. وإذن، فلا سبيل إلى عموم الشريعة سوى هذا الطريق الحكيم الذي جاء به القرآن الكريم، وهو:النص على حكم ما عرف الناس من أحداث، ثم إفراغ ذلك الحكم في عناوين عامة، وعلل تحقق في غير هذه