/ صفحه 69/
الطعام ذكره معنا، فكل هذا أحدثكم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))).(1)
ومثل ذلك ما روي عن جابر بن سمرة رضى الله عنه قال: ((جالست النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر من مائة مرة، وكان أصحابه يتناشدون الشعر، ويتذاكرون أشياء من أمور الجاهلية وهو ساكت، وربما تبسم معهم)).(2)
2 ولذلك فرق علماء الأصول بين ما صدر منه (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن جبلة أو عادة، وما صدر منه مما سبيله التشريع، فقالوا: إن الأول غير داخل فيما يطالب الناس بالاقتداء به، وإن الثاني تطالب به أمته على حسب ماورد من إيجاب أو تحريم أو غير ذلك، ومن دوام أو توقيت، ومن عموم أو خصوص.
قال إمام الحرمين في البرهان: ((والأفعال الجبلية كالسكون والحركة والقيام والقصود، وما ضاهاها من تغاير أطوار الناس فاذا ظهر ذلك، فلا استمساك بهذا الفن من فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))).
وقال الآمدي: أما ما كان من الأفعال الجبلية كالقيام والقعود والأكل والشرب ونحوه فلا نزاع في كونه على الإباحة بالنسبة إليه وإلى أمتة وأما ما عرف كون فعله بياناً لنا، فهو دليل من غير خلاف وذلك إما بصريح ما قاله، كقوله صلوا كما رأيتموني أصلي، وخذوا عني مناسككم، أو بقرائن الأحوال.(3)
والأمر في الأقوال كالأمر في الأفعال، فما ظهر أنه قاله من قبيل العادة والجبلة فلا تشريع فيه، ولا يلزم الاقتداء به.
3 غير أن ما يضاف إلى كل واحد من هذين الجانبين جانب البشرية، وجانب التشريع، قد يكون الأمر فيه واضحاً لا يكاد يشتبه فيه أحد، وقد يكون موضع خفاء فيُشتبه فيه ويُختلف في الحكم عليه: هل هو من هذا القبيل أو ذاك.

*(هوامش)*
(1) حجة الله البالغة ص 128 ج 1.
(2) هامش الموافقات ج 4 ص 72 ط الرحمانية بمصر.
(3) الإحكام للآمدي ص 247 ج 1 ط المعارف سنة 1914.