ـ(53)ـ
وحدة العقيدة: فالعقيدة هي الأساس الذي يرتفع عليها بناء الدين، فإذا قوي الأساس سهل على الأمة تصحيح أوضاعها، وأمكن لها الاجتماع واللقاء. وحين تكون العقيدة واضحة في الأذهان مشرقة في القلوب تزول الحواجز التي قامت بين الأمة(1).
فالحق كلّ الحق: أنّه لا ضرر على المسلمين في أنّ يختلفوا، فإن الاختلاف سنة من سنن الاجتماع، ولكن الضرر في أنّ يفضي بهم الخلاف إلى القطيعة والخروج على مقتضى الأخوة التي أثبتها الله في كتابه العزيز، لا على أنّه شيء يؤمر به المؤمنون، ولكن على أنها حقيقة واقعة، رضي الناس أم أبوا(2)، [إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون](3).
فالخلاف فيما يتعلق بالعقائد لم يتجاوز الحدّ النظري، ولا الاتجاه الفكري، فإن العلماء الّذين تصدوا لهذا لم يجر بينهم خلاف أدى إلى امتشاق الحسام، وطبيعة حياتهم العلمية لا تسمح لهم بأن ينقلوا الخلاف من ميدان القول إلى ميدان العمل، ولم يكن الاختلاف النظري ليصل في حدته إلى أنّ يجعلوه عملياً، ولم تظهر الحدة إلاّ في أنّ يحكم كلّ واحدٍ على الآخرين بالخطأ والابتداع.
ومهما يكن مقدار الخلاف النظري في العلوم الاعتقادية فإنه لم يمس لب الإسلام، ولم يكن الاختلاف فيما علم من الدين بطريق قطعي لا شك فيه، أو في أصل من أصوله التي لا مجال لإنكارها، والتي تعد من أركان الإسلام التي يقوم عليها بناؤه(4).
______________________________________
1 ـ العقيدة الإسلاميّة، دراسة وتطبيق أحمد علي الملا ومحمد بشير الرز: ص 11 ـ 81 ط. دمشق (1404 هـ).
2 ـ نقط على الحروف من كتاب: "دعوة التقريب" للشيخ محمّد تقي القمي: ص 39.
3 ـ الحجرات: 10.
4 ـ تاريخ المذاهب الإسلاميّة للشيخ محمّد أبو زهرة: ص 17، ط. دار الفكر العربي بالقاهرة.